تعسف التعسف.. مقالمة / سيدي محمد (إكس ولد إكس إگرگ)


كتب Sidi Mohamed Maham:

إن البحث لقبائل صنهاجة عن نسب حميري فيه من التعسف والقفز على الأدوات المعاصرة لقراءة التاريخ الكثير، ولست أدري ما الذي ينقص صنهاجة لتبحث عنه في حمير.
فقد قدمت قبائل صنهاجة بعد الإسلام الكثير الكثير لهذا الدين وللغة العربية وأوصلتهما إلى حيث لم تصل العرب العرباء مطلقا.
وانتساب صنهاجة لحمير تنفيه أبسط نظرة إلى حقائق تاريخية أهمها أن منشأ حمير يعود إلى 115 سنة قبل الميلاد، فلا وجود لمسمى حمير قبل هذا التاريخ، بينما كانت القبائل البربرية أو الأمازيغية (ومنها صنهاجة) على هذه الأرض قبل ما يزيد على 5000 سنة، وهو ما يشهد به خط التيفيناغ المنقوش بجبال آدرار ومناطق عديدة من هذه البلاد، وهو الخط الذي يعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد وقبل وجود حمير التي ورثت من السبئيين خط المسند، بل وقبل وجود الخط الفينيقي بأكثر من 2000 سنة.
مما يظهر أن صنهاجة أعرق وأرسخ قدما في التاريخ والحضارة من حمير وإلى اليوم، وإن كانت حمير أكثر حظا من حيث اهتمام المؤرخين القدامى بحكم قربها من المناطق التي شكلت مهدا للعديد من الديانات والحضارات بينما ظلت صنهاجة في منتبذها القصي رغم تأثرها الكبير بما دار شرقا، إذ يرى بعض المؤرخين أن صنهاجة أو بعض قبائلها اعتنقت اليهودية في فترة من الفترات، وكذلك المسيحية لاحقا.
وقد أتفهم إصرار بعض بيوت صنهاجة أو غيرهم على ربط نسبهم بنسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بنسب بعض أصحابه مهاجرين أو أنصارا، لما يحمله من دلالة تاريخية واجتماعية على عدم أهميته شرعاً لأن كل الناس في نظر الشرع لآدم وآدم من تراب، لكني لا أفهم هذا الجري المضني وراء حميرية صنهاجة وهي أغنى ما يكون عنها، خصوصا إذا ما أدركنا أن التقدم العلمي اليوم يوفر لنا من الأدوات ذات القيمة العالية لقراءة التاريخ ما يغني عن روايات ومرويات قد لا تجد ما يعضدها، أو تحركها دوافع كان المغلوب فيها مضطرا أو مختارا مولعاً بالتماهي والذوبان في الغالب.

وكتب د.السالم بن ديد عبود:

نعم… معالي الوزير: سيدى محمدولد محم – حفظكم والله ورعاكم-
ما كان ينبغي للتابعي: عبيد بن شرية الجرهمي المتوفي 67هـ
في كتابه أخبار الملوك أن يبحث لصنهاجة عن نسب حميري ويتعسفه ويقفز على رأيكم الكريم . ..
انظر الصفحة 421،و42
وكذلك نقول للتابعي الآخر وهب بن منبه المتوفى114هـ
ما كان أغناك في كتابك “التيجان في ملوك حمير”
الطبعة الأولى 1347هـ تحقيق مركز الدراسات والأبحاث اليمنية.
عن التعسف والقفز.

ولعل المؤرخ النسابة: محمد بن السائب الكلبي المتوفى 204هـ في إثباته لحميرية صنهاجة تعسف كثيرا عفى الله عنه حيث يقول في كتابه نسب معد واليمن الكبير: ” وأقام من حمير في البربر صُنهاجة وكتامة”
انظر ج2/ص548 طبعة عالم الكتب.

أما الامام الكبير والثقة الثبت الشهير الزُبير بن بكار بن عبد الله القرشي المتوفى 256هـ فقد أبى إلا التعسف، والقفز.. ولا حول ولا قوة إلا بالله
حيث يقول: “إن صنهاج أبو صنهاجة هو صنهاج بن حمير بن سبأ.
” انظر الانيس المطرب ص75.

و كذلك فعل النسابة الشهير أحمد بن جابر البلاذري ت: 279
في كتابه أنساب الأشراف ج1/ص11. طبعة دار الفكر
حيث يقول “وأقام مع البرابرة بنو صنهاجة وكتامة من حمير فهم فيهم إلى اليوم.”

وما كنت أظن أن كبير المفسرين ابن جرير الطبري المتوفى 310هـ في كتابه تاريخ الأمم والملوك إلا سيسلم من التعسف وإثبات حميرية القوم والقفز على ما لا يراه معالي الوزير المبجل ولكن قدر الله نافذ فها هو يقول في سياق كلامه على البربر :
“ما خلا صنهاجة وكتامة؛ فإنهما بنو إفريقش بن قيس بن صيفي بن سبأ “ج1/ص11.

وأما العلامة النسابة أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني المتوفى 334هـ في كتابه الاكليل في انساب حمير وايامها”
فقد تفنن في التعسف والقفز حيث يقول:
” إن لمتونة فخذ من صنهاجة وصنهاجة فخذ من عبد شمس بن وائل بن حمير وأن الملك إفريقش لما خرج غازيا نحو بلاد المغرب وارض إفريقية وهي مشتقة من اسمه وخلف بها من قبائل وزعمائها صنهاجة .. ”
انظر الانيس المطرب لعلي ابن أبي زرع ص/75.

وانتقلت عدوى التعسف والقفز لأبي بكر الصولي المتوفى 335هـ
والعباس ابن إبراهيم المراكشي المتوفى 378هـ

وإن تعجب فعجب أن يستمر هؤلاء الأئمة الكبار في تعسفهم لحميرة صنهاجة طيلة أربعة قرون من غير أن يخالفهم مخالف.
مما جعل عدوى التعسف تنتقل بسرعة لابن خلدون في تاريخه حيث قال في سياق كلامه على إفريقش :
“ولما رجع من غزو المغرب ترك هناك من قبائل حمير صنهاجة وكتامة فهم إلى الآن بها وليسوا من نسب البربر قاله الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي والسهيلي، وجميع النسابين “انظر تاريخ ابن خلدون ج2/ص93 وما بعدها ..

وبما أن التعسف لحميرة صنهاجة كما رأيتم بدأ في العقود الأولى من القرن الأول، ولا يزال كما يبدو مستشريا في الأمة ولا حول ولا قوة إلا بالله … فليس بيدي ما أساعد به معالي الوزير المكرم: Sidi Mohamed Maham
في رفع التعسف، وإيقاف القفز سوى التضامن معه حفظه الله ورعاه وبارك فيه.

كامل التعسف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى